جرت العادةُ في القرون القديمة والقرون الوسطى على عَدِّ الطبيعيات قسمًا من الفلسفة؛ وذلك لأن الفلسفة كانت علمَ الموجودات وأحوالها وَفْقَ تعريفها القديم على الخصوص، وأدقُّ من ذلك أن يقال: إن الطبيعيات كانت تدخل ضِمْنَ نطاق الفلسفة لاحتياجها إلى ما بعد الطبيعة، ولاحتياج ما بعد الطبيعة إليها، وكانت الطبيعيات في نظر قدماء الفلاسفة تُوجَدُ في حقلِ الملاحظة وحقل العقل، وما كانت الملاحظة المحسوسة لِتستغنيَ عن القياس ولا العقلُ عن الحواسِّ، فما كنتَ تَجِدُ هوةً بين الدائرتين على الإطلاق.
ومن عدم الإنصاف نحو المناهج السِّكُلاسِيَّة؛ أن اتُّهِمَت بتكوينها حول الموجودات آراءً سابقةً من غير اكتراثٍ للتجربة، فلو أُحْسِنَ إدراك روح هذه المذاهب المُسِنَّة لرُئِيَ أنه لا شيء أكثرُ خطأً من ذلك؛ وذلك أن القياس والملاحظة متداخلان في ذلك، وأن البحث النظريَّ قائم على العلم الوضعيِّ في ذلك، وأن العلم منتظِمٌ في ذلك بواسطة البحث النظري، فيوجد في ذلك انسجام بين الفكر والموضوع وبين المجرَّد والعين، وبين العقل والأشياء. والمبدأ السابقُ الوحيدُ الذي تَجِدُهُ هنالك هو المبدأ الذي يُوَكِّد وجودَ هذا التوافق، والذي يطالب الفيلسوفَ بيقين سابق بإمكان تطبيق العقل على الأشياء.
وليُعنَ بدراسة تكوين فلسفة القرون الوسطى، وليُنظرْ إلى أنها مدينة بأغاليطها — ضبطًا — لوضعها نفسَها ضمن تابعيةٍ وثيقةٍ لعلمٍ كان لا يزال ناقصًا، لا لأنها استَخَفَّتْ بالعلم الوضعيِّ.
وسنبدأ بإلقاء نورٍ على هذا الأمر في الفصل الحاضر، وما نقوله، بعد ذلك، عن علم النفس وما بعد الطبيعة يُتِمُّ إقامته.